لماذا لا يشعر المتداول بالراحة عندما يترك صفقاته مفتوحة ؟



لماذا لا يشعر المتداول بالراحة عندما يترك صفقاته مفتوحة ؟


نأخذ على سبيل المثال الملف الخاص بقضاء الأمسية مع اشخاص تعرفهم وتعودت عليهم بشكل شبه يومي.. كيف ستشعر لو قام احد اصدقائك بدعودتك لقضاء أمسية مع أصدقاؤه هو والذين لا تعرفهم انت ولم تقابلهم مسبقاً.. مجرد قبولك لهذه الدعوة وحتى قبل حضورها سيقوم بتوليد حالة من التوتر والقلق لديك لأنك ستخرج الليلة مع اشخاص لم تعتد السهر معهم.. وهذا معناه خروج من دائرة الراحة الخاصة بك وهذا بحد ذاته يفتح مجال واسع لتخيلاتك لإطلاق العنان حول تصور هذا المصير المقبل المجهول.. وهذا لحد ما مشابه لما يحدث معك من قلق وتوتر عند وجود صفقات مفتوحة لك وخيارات متعددة حول المصير المستقبلي المجهول لهذه الصفقات ونتائجها الغير محسومة.

المستقبل المجهول:

أي لحظة مستقبلية تعتبر مجهولة وغير يقينية بالنسبة لنا ويزداد هذا الأمر عند وجود أمر مستقبلي يجبرنا على التفكير فيه.. ولا شئ يمكن له فعل ذلك وبشكل عاصف أيضاً افضل من وجود صفقة مفتوحة لا احد يعلم كيف ستنتهي إلا الله سبحانه وتعالى.. وهذا لوحده يعتبر سبب كافي لعقلك المسكين للخروج به من منطقة الراحة التي تعود عليها والخاصة بالملفات المالية والخسائر والراحة النفسية الى نطاق جديد يصعب على أي شخص تحمله والتعايش معه بشكل منطقي.. من المستحيل تقريباً أن تجد متداول يشعر بالقلق والحيرة والتوتر وهو يعلم بأنه لا يملك صفقات مفتوحة في السوق لأن معنى ذلك أنه مؤمن ضد الخسارة ( إلا في حالة شعوره بالتوتر بسبب عدم فتح صفقة ! ) ، ولكن يسهل بشكل كبير تخيل شعور متداول لديه صفقتين او ثلاث صفقات مفتوحة والأسوأ من ذلك عندما يقوم السعر بالتحرك عكس التوقعات مما يجعل هذا الأمر مادة خصبة للعقل للإبحار في سماء التوقعات السلبية ( ومرجنة الحساب )..

أما إذا كنت تعتقد بأن هذه المشاعر تصيب المتداولين عندما يتحرك السعر عكس التوقعات فقط فأرجوا منك أن تعيد التفكير بهذا الأمر مرة أخرى.. المتداول يصاب بالفزع – وهذا تعبير حرفي وليس مجازي فقط – حتى عندما يتحرك السعر كما توقع هو بالضبط.. لو افترضنا بأن متداول ما قام بتفعيل صفقة وكان هدفه مائة نقطة مثلا فعلى الأرجح أنه سيقوم بإغلاق الصفقة بدون ظهور سبب فني لذلك بعد ربح عشرين نقطة فقط على الأكثر.. والسبب واضح بالطبع وهو أنه ولكي يتم وصول السعر الى المستوى المستهدف السابق وهو مائة نقطة فمعنى ذلك انه يجب عليه البقاء لفترة اطول داخل دائرة المستقبل المجهول.. وهذا يعني أنه سيعيش لحظات مأساوية ومفزعة بإنتظار حدوث أمر غير مؤكد.. وهذا يعني ايضا تغير في حالة الجسد البيولوجية بسبب رسائل مخية ستصيبه بالتعرق وزيادة دقات القلب والتنفس وغيرها.. وإلى هذا الحد لن يسمح له عقله بالبقاء في هذا ( الجحيم ) لفترة اطول وسيقوم بإقناعه بأن عشرين نقطة خير من لا شئ وبأن الإحتمال الأكبر القادم هو تغير حركة السعر والعودة لنقطة الصفر او الهبوط الى خسارة بعد ربح بسيط.. وهنا – عزيزي المتداول – ستجد بأن اكثر تصرف منطقي يمكن ان يقوم به هو بإغلاق الصفقة..

وبشكل فوري..

وبلا مناقشة..

لحظة للتفكير:

من مبدأ وقوع البلاء خير من انتظاره فإننا مجبولين على تفضيل الواقع – حتى مع مرارته – بدلا من الإستمرار في تكهن وتنبؤ كيف سيكون المستقبل القريب.. ولذلك يصعب علينا في أسواق المال التعامل بشكل صحيح مع مستقبل مجهول قد يعصف بحسابنا الإستثماري ويهبط به الى الصفر.. ولكن لو قمت بالتفكير لحظة في هذه النقطة وحاولت ايجاد حل لذلك ستجد أنه يجب عليك وبدون جدال المراهنة على البقاء لفترة اطول في هذا المستقبل ( البعيد عن دائرة الراحة الخاصة بك ) حتى يصل السعر للمستوى المستهدف او يقوم بضرب وقف خسارتك في حال وجود واحدة.. ولذلك اذا كنت تشعر دائما بالندم لعدم صبرك على الصفقة حتى تحقق هدفها وتلوم نفسك على الخروج المبكر بدون سبب يدعوا لذلك فإعلم بأنه يجب عليك البدء بشكل فوري بالمحاولة على أقل تقدير بتغيير هذا الأمر لأن المضاربة بشكل صحيح في اسواق المال تستدعي أن تصبح انت من فئة خاصة يمكنها التعامل مع لحظات عدم اليقين بأن هذا الأمر قد يكون شراً لا بد منه.. وإلا فسوف تبقي وللأسف حبيس لدائرة الراحة الخاصة بك والتي لا تعرف كيف تتعامل بشكل منطقي مع مستقبل مجهول بالنسبة لنا.. وهذا يعني بشكل مباشر بأنك ستبقى محلل فني جيد يقوم بالتنبؤ بحركات السعر القادمة ولكن للأسف مضارب سئ غير قادر على الإستمرار مع السعر وتحليلاته الفنية السابقة التي غالباً ما تكون صحيحة.. وهذا احد الفوارق الرئيسية بين المحلل الفني الجيد والمضارب الجيد.

وتذكر دائماً بما أننا تحدثنا عن دائرة الراحة وحاجتنا الماسة دوماً للبقاء داخلها بدون أن نتعلم أو نجرب أشياء جديدة تفيدنا في تحسين حياتنا بشكل عام وهي ” الحياة الحقيقية المليئة بالمغامرة والمتعة تبدأ دائماً منذ لحظة خروجنا من دائرة الراحة الخاصة بنا “..
أحدث أقدم